تخطى إلى المحتوى

فارس الجهني: من هواية المزرعة إلى حارس الحياة البرية في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية

5 دقيقة قراءة

26 ديسمبر 2024

فارس عبدالله إسماعيل الجهني، قائد فريق المفتشين البيئيين البالغ من العمر 30 عامًا، وُلد ونشأ في مدينة ضباء الساحلية الواقعة ضمن نطاق محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية. نشأ فارس على أرض مزرعة عائلته، حيث كان يساعد والده في رعاية الأغنام والجمال. ومنذ سن مبكرة، بدأ فارس في تكوين رابط عميق مع الطبيعة، وهو رابط تحوّل لاحقًا إلى رسالة يحملها في حياته المهنية لحماية التراث البيئي للمملكة من خلال برنامج إعادة التوطين في المحمية.

حصل فارس على درجة البكالوريوس في التربية الخاصة من جامعة تبوك، وبدأ مسيرته العملية في ميناء ضباء مشرفًا على العمليات البحرية. لكن شغفه بالحياة البرية والطبيعة قاده إلى الانضمام لبرنامج الحُراس في المحمية عام 2022.

ويقول فارس: “منذ طفولتي، كنت أحب مساعدة والدي في العناية بالحيوانات. لم يكن الأمر عملًا بالنسبة لي، بل كان وسيلة للتواصل مع الطبيعة والتعلم من الأسرة.”

اليوم، يشغل فارس دورًا محوريًا في جهود المحمية لاستعادة النظم البيئية وإعادة توطين الأنواع المهددة بالانقراض. فقد ساعدته خبرته العملية في رعاية الماشية على تطوير المهارات الأساسية التي تُتيح له مراقبة الحياة البرية والاعتناء بها، مثل المها العربي والوعول والغزلان. يقود فارس فريقًا متزايد العدد من المفتشين البيئيين المحليين، مشرفًا على برامج الرعاية والتكاثر وإطلاق الحيوانات، والتي تُعد جوهر جهود إعادة التوطين.

عند انضمامه إلى المحمية، لم يكن فارس متأكدًا مما ينتظره. لكنه سرعان ما أدرك أهمية الدور الذي يقوم به. ويقول: “في البداية، كنت أعتقد أن المحمية مجرد مكان مُغلق. لكني أدركت أنها تُركز على حماية ما نملكه ومساعدته على التعافي، حتى نتمكن من الاعتماد عليه مستقبلاً.”

اندمج فارس بسرعة في العمل، مستفيدًا من برامج التدريب التي قادها خبراء دوليون وأطباء بيطريون متخصصون في الحياة البرية. وتعلم من خلالها قراءة آثار الحيوانات، واكتشاف علامات الأمراض، والتعامل مع التهديدات التي تواجه الحياة البرية.

ويضيف فارس: “التدريب فتح عيني على تفاصيل دقيقة. تعلمنا كيفية تتبع الحركات، وتحديد الأنماط، والتصرف بسرعة لحماية الحيوانات. لقد زودنا بالأدوات التي نحتاجها لرعاية المحمية.”

شارك فارس وفريقه أيضًا في برنامج رعاية الحيوانات الذي شهد ميلاد 15 رأسًا من المها العربي، ما يُعتبر إنجازًا بارزًا في جهود المحمية لاستعادة الأنواع المهددة. وتُعد هذه الولادات المرحلة الأولى في عملية إعادة التوطين، حيث يتم إعداد الحيوانات لإطلاقها في موائلها الطبيعية.

ومع تطوره في العمل، تولى فارس مسؤولية قيادة فريق المفتشين البيئيين، والذي بدأ بعدد قليل من الأعضاء ونما تدريجيًا تحت إشرافه. ويعكس ذلك استثمار المحمية في بناء قدرات محلية لدعم جهود الحماية البيئية.

يُشبّه فارس منهج المحمية في إعادة التوطين ببناء هرم يبدأ باستقرار المناطق الصغيرة، مما يُتيح للنباتات النمو وللحيوانات العودة، ومن ثم التوسع تدريجيًا لخلق ممرات بيئية واستعادة النظم البيئية بأكملها.

ويؤكد فارس: “من المهم تذكير الجميع بسبب وجودنا هنا. عملنا يُحدث فرقًا – للحيوانات، وللأرض، وللمستقبل.”

ترعرع فارس في بيئة زراعية، ما أكسبه مهارات عملية لمراقبة الحيوانات ورعايتها. هذه المهارات أثبتت قيمتها في التعامل مع الأنواع البرية، حيث يعتمد نهجه على الملاحظة الدقيقة للتغيرات السلوكية والصحية. كما يدعم هذا النهج أساليب المحمية التي تستند إلى المراقبة الميدانية والتقنيات الحديثة لتقييم صحة النظم البيئية.

ويقول فارس: “لكل حيوان طبيعته الخاصة. البعض هادئ، والبعض الآخر خجول. يجب أن تتحلى بالصبر وتتعلم كيفية التعامل معها.”

ويصف فارس عمله اليومي بأنه مزيج من التحدي والمكافأة. يبدأ يومه بمراقبة الحيوانات، ومتابعة صحتها وسلوكها، وتجهيز الغذاء والإمدادات. وتعزز خبرته مع الماشية من قدرته على اكتشاف علامات الإجهاد أو المرض مبكرًا.

ويضيف: “في الماضي، عندما كنا نعتني بالأغنام، كان علينا تطعيمها قبل انتشار الأوبئة. ينطبق نفس الأمر على الحياة البرية. يجب أن نكون مستعدين مسبقًا لمواجهة أي تحديات صحية.”

يتماشى هذا النهج مع مهمة المحمية الأكبر، التي تهدف إلى إعادة تأهيل 24,500 كيلومتر مربع واستعادة 23 نوعًا محليًا. فالأمر لا يتعلق فقط بإطلاق الحيوانات، بل ببناء نظم بيئية صحية ومستدامة.

ويرى فارس نفسه سفيرًا لحماية البيئة. وبصفته ابن منطقة ضباء، يتفهم المخاوف حول المحمية، لكنه يعتقد أن العمل الذي يقومون به اليوم سيؤسس لمستقبل أفضل للمنطقة.

ويقول: “نحن نحمي الأرض لتستمر في دعمنا. الأمر ليس إغلاقًا، بل إعطاء الطبيعة فرصة للتعافي كي تزدهر مجددًا.”

ومن الجدير بالذكر أن أكثر من 85% من فريق المحمية، بما في ذلك أول فريق نسائي للحُراس في الشرق الأوسط، يتألف من أفراد ينتمون إلى المجتمعات المحلية. وتوضح أسماء خضير، مديرة إدارة بناء القدرات والاستخدام المستدام للموارد الطبيعية، رؤية المحمية بقولها:

“نحن لسنا غرباء قادمين لحل المشاكل، بل نحن جزء من المجتمع نعمل لتحقيق أهداف مشتركة.”

ويشارك فارس هذا الإيمان، ويعمل على إظهار قيمة الحماية البيئية كمهنة وكوسيلة للحفاظ على التراث.

يأمل فارس أن تستمر المحمية في توسيع جهودها، مع إدخال المزيد من الأنواع واستعادة مناطق أكبر. فبالنسبة له، أن تكون مفتشاً بيئياً هو أكثر من مجرد وظيفة؛ إنها رسالة قائمة على احترام الأرض والرغبة في تركها بحالة أفضل للأجيال القادمة.

ويختتم فارس حديثه قائلاً: “نحن نبني شيئًا يدوم. أؤمن بأن الناس سيرون الفوائد بمرور الوقت. عملنا ليس فقط لحماية الأرض اليوم، بل لضمان بقائها للأجيال القادمة.”

إن فارس وفريقه في صميم مهمة المحمية لخلق نظام بيئي مزدهر ومتوازن. وتُظهر جهودهم أن الحماية البيئية لا تتعلق فقط بإنقاذ الأنواع، بل بإعادة التوازن بين الإنسان والطبيعة.